خيبة ..مشاعر
حملت
سمومها واتجهت نحو رغبات كتبها الشيطان,خطت له رسالتها وتركتها فوق أريكته،وقبل أن
تذهب قالت له : لا تخاف..لن أتأخر عليك كثيرا،سوف أجلس معه ونشرب فنجان من
القهوة،وقد يسرق الوقت منى بعضا من الساعات فلا تقلق،سوف أعود إليك وأحكي لك
تفاصيل كل شيء لن أخبئ عنك سرا,تعلم بأنني مجبرة على هذا اللقاء!وذلك بعد أن وعدني
بأنه سوف ينجز لي ما عجزت أنت عن إنجازه هو وعدني بذلك..وقف أنت مثل أصنام
الجاهلية فلن يعبدك بعدي أحد،لكن لا تسألني عندما أعود،هل لامست يداه يداي؟وهل
تقاربت بالخطاء شفتاي شفتاه؟فلا أستطيع أن أعدك بأشياء قد يختلسها الحظ مني وأنا
مجبرة،وقد أذهب معه إلى منزله ونشرب من ذلك الكأس الذي شربنا منه معا،وربما ينام
الليل في أحضان الخوف فلا يذهب تفكيرك بعيدا،حتى ولو خلعت له كل ملابسي فسوف أترك
قطعة تغطي بعضا من أملاكك!لكن وقبل أن أذهب الآن لم تقل لي رأيك بهذا الفستان
الأحمر،هل يليق بي؟وقبل أن يتحرك ويجيب على سؤالها،كان يسترق رائحة العطر الذي
يفوح منها،ويتذكر بأن رائحته تشبه رائحة ذلك العطر الذي قدمه ذات ليلة لها في يوم
ميلادها،أخذ يلملم بقايا أشلاء كرامة رجل مهزوم،وذهب بعد أن تركته..لم يتطلع على
تلك الرسالة التي تركتها له فوق أريكته!
عشق من طرف زجاجة
(سقوط العناء)
كتب رسالته ولم يعرف كيف يوصلها لتلك الفاتنة التي تجلس على بحيرة من الغرور.. لم يطول انتظاره كثيرا حتى وجد فكرته التي حار فيها، فوضع رسالته تلك داخل زجاجة ورما بها في وسط بحيرة كانت تجلس بالقرب منها فاتنته تلك.. وعندما وصلت تلك الزجاجة وهي تطفو بالقرب منها، أخذتها ثم فتحتها ويداها ترتجف فرحا.. بعد ذلك سحبت تلك الورقة من داخل الزجاجة بكل رؤية ورمت بها في البحيرة من دون إن تقرأها وذهبت بتلك الزجاجة وكلها فرح وسعادة ووضعتها بالقرب من سريرها وهي تقول: بعض الرسائل هي مجرد كلمات لا نستطيع الاحتفاظ بها طويلا، لكن الأشياء المحسوسة هي التي تبقى.. لم يمر على تلك الحادثة زمن حتى التقى بها في الطريق وبعد صمت وحيرة قال لها: أتمنى أن أعرف إحدى أمنياتك حتى أسعى في تحقيقها? فقالت والحياء يكسو محياها: أمنيتي إن أتعلم القراءة والكتابة حتى أعرف تلك الزجاجات التي أجدها كل يوم عند البحيرة لمن?
مع.. الوقت
حتى وهي تتجادل مع الوقت.. كانت تحاول أن تعيد الزمن للوراء، تجلس مثل حكيم سقط في غفوة من كتب التاريخ، ثم ترقص على أحزان العمر مثل غانية طرقت أبواب الليل المتعب من الأحلام.. لم يسافر الشوق بعيدا عنها، لكنها شدت الرحال، وتركت بقايا ذاكرتها عند أول الطريق، ترى كم تبعد المسافات عن مبتغاها وترى كم يعيش العمر من سنوات، رمت رفات أسئلتها والتحفت بقايا الليل حتى يستفيق الصباح.. حاولت أن ألملم هذا الشوق المتناثر من حضورها، فجلست حتى خرج الناس وهم يستغفرون تارة.. وتارة يصرخون "من هذا العاشق المجنون الذي نسي نفسه هنا"? عدت بعد أن ذهب الجميع أبحث خلف أثري عني.. فلم أجد غير بقايا قلب مكسور وأحلام ميتة..
رحيل منتظر
قال لها وهو مطأطئ الرأس:
«أنت مثل الحظ، خرجت من العدم… مثل يانصيب غيّر حال فقيرٍ، فصار
يرى الدنيا بألوانٍ لم يعرفها من قبل؛ قبل ذلك كان يراها بلونين فقط: الأسودُ
والأبيض. أنت زهرةٌ نَبَتَتْ في صحراء عمري. أرى الدنيا الآن من عينيك، واشتاقُ أن
أجلس معك دوماً، ولو لسنوات».
أخذت تبحث عن كلماتٍ تسدُّ رمقَ
اللحظة، لكنها استجارتْ بجدار الصمت. قبل أن يضعف صوتها وتذوب قسوتها، أعلنت
هزيمتها له؛ دفنت حلمها ولم ترحل.
كانت تمني نفسها ذات يوم أن
ترحل، وتترك خلفها قصص الفشل التي أكلت زهورَ بساتين أحلامها؛ لم يتبقَّ لها إلا
الوداع. ثم قالت، بصوت لا يملُّ حتى وهي تعاتبه:
«هَبْ أني جلست هنا، ماذا بعد؟ ما الذي سيتغير؟ كلُّ شيء صار
حطامًا؛ حتى حبي لك بدأ ينكسر. ماذا أجني من حبٍ يقفُ مثل شجرِ الصبار؟ نحن محكومٌ
علينا بالرحيل. دع عنك أوهامَ العاشقين، وافتح باب أوهامك للريح. إن لم أرحل الآن
فسأنتظرُ الموتَ بجلبابه الأسود. دعني أرحل — وأعدكِ أني لن أطيلَ هذه المرة».
حاولت أن تقف، لكن السقوطَ كان
يحالفها كل مرة. «أرجوك، قل لي وداعًا، ولا تتركني مع هذا العذاب».
قَبِلَ الصمتُ أن ينفجر، وانتفض
قلبه فتكلّم، والبكاء يبلل حروفَه:
«أنتِ تغتالين العمرَ وترحلين؛ تمسكين قلبي وتسافرين… لمن تتركين
هذا الواقف بين يديك الآن؟ الأعمار لا تتجدد، والحياةُ فترةٌ، والزمنُ لحظةٌ ينتهي
بنا المطاف. من يشرب معي فنجان قهوتنا؟ من يقول للصباح: ‘صباحك أنا’؟ من يفتح
شبابيك الأمل بعدك؟ أعدك: لن أنتظر المساء بعدك، ولن ينتظرني صباحٌ بعد اليوم».
أحلام ..بأقلام مكسورة
حتى وهي تكتب أحلامها.. كانت لا
تنسى أن تغلق عليها بتلك الأقواس المعكوفة.. هذا أنت وتلك أنا، أحلامنا مثل دوران
الأرض وثبات الشمس.. تقف مشاعري عند خيالها الواسع مثل أصنام إيالة للسقوط، وأتذكر
أن علي أن أوقف هذا السيل الجارف من الأحلام التي سوف تغرق المدينة، لكن غضبها
المتراكم يجعلها تكسر تلك الأقلام، وتقول بصوت يتهافت تحت وابل من الحزن.
هب أنني كنت أداعب أحلام لن
تتحقق! ما الذي سوف يغير في هذا العالم الصامت. الإيكفي أننا نلتقي خلف أبواب
الخوف وعند غروب الناس، حتى متى وأنت تغتال أحلامي الصغيرات! ياريت ذلك الحظ الذي
رما بنا نحو بعضا البعض، لو أنه ألقى بك في طريق غير طريقي.. ولم تكن بالنسبة لي
شجرة الميلاد التي اعلق عليها كل أحلامي، وياريتك لم تكن ذلك السراج الذي استرق
منه ذلك النور الخافت في غرفتي، ولم تكن ذلك الفارس الذي ترك حصانة عند بأبي ورحل.
ريتك تصبح ذات يوما كابوسا وترتاح منك وحدتي.. لو كنت تعلمت الكره الآن لتعلمت
هجرك وتركت الأقلام بحوزتي.. اذهب إلي واقعك المر واتركني احلم حتى يموت الحلم
فيني او نموت معا....
حَتّى وَهِيَ تَكْتُبُ أَحْلَامَهَا
تُغْلِقُ عَلَيْهَا
بِتِلْكَ الأَقْوَاسِ الْمَعْكُوفَة:
هٰذَا أَنْتَ، وَتِلْكَ أَنَا.
…
أَحْلَامُنَا…
تَدُورُ كَالأَرْضِ،
وَثُبُوتُهَا كَشَمْسٍ لَا تَغِيبْ.
تَتَوَقَّفُ مَشَاعِرِي
عِنْدَ خَيَالِهَا الْوَاسِعْ،
كَأَصْنَامٍ
تَنْتَظِرُ السُّقُوطْ.
…
وَأَدْرِكُ…
أَنَّ عَلَيَّ أَنْ أَسُدَّ
ذٰلِكَ السَّيْلَ الْجَارِفْ،
قَبْلَ أَنْ يُغْرِقَ الْمَدِينَةَ.
…
غَضَبُهَا الْمُتَرَاكِمُ
يَكْسِرُ الأَقْلَامَ،
وَيَهْبِطُ صَوْتُهَا
تَحْتَ وَابِلٍ مِنَ الْحُزْنِ:
…
«مَاذَا إِنْ دَاعَبْتُ أَحْلَامًا
لَنْ تُصِيبْ؟
مَاذَا يَتَغَيَّرُ فِي هٰذَا الْعَالَمِ
الصَّامِتْ؟
…
أَلَيْسَ يَكْفِينَا أَنَّنَا نَلْتَقِي
خَلْفَ أَبْوَابِ الْخَوْفِ،
وَعِنْدَ غُرُوبِ النَّاسْ؟
…
إِلَى مَتَى
تُغْتَالُ أَحْلَامِي الصَّغِيرَاتْ؟
لَيْتَ الْحَظَّ أَلْقَاكَ
فِي طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِي.
…
لَمْ تَكُنْ شَجَرَةَ مِيلَادٍ
أُعَلِّقُ عَلَيْهَا أُمْنِيَاتِي،
وَلَمْ أُرِدْكَ سِرَاجًا
أَسْرِقُ مِنْهُ النُّورَ الْخَافِتْ.
…
كُنْتَ فَارِسًا
تَرَكْتَ حِصْنًا عِنْدَ بَابِي
ثُمَّ رَحَلْتْ.
…
لَيْتَكَ تُصْبِحُ يَوْمًا كَابُوسًا
فَتَرْتَاحُ مِنْكَ وَحْدَتِي.
لَوْ تَعَلَّمْتُ الْكُرْهَ،
لَتَعَلَّمْتُ هَجْرَكَ،
وَتَرَكْتُ الأَقْلَامَ بِحَوْزَتِي».
…
ثُمَّ هَتَفَتْ:
«اذْهَبْ إِلَى وَاقِعِكَ الْمُرّ،
وَاتْرُكْنِي أَحْلُمُ
حَتَّى يَمُوتَ الْحُلْمُ فِيَّ،
أَوْ نَمُوتَ مَعًا».
شغف.. الخيانة
أخذت تجادل نفسها وكأنها تبرر
لجريمة سوف تفعلها ذات يوم لذا قالت له وهي تسرد تفاصيل الخوف, لو أنني وهبت بعضا
من وقتي لهذا او لذاك لا عليك فأنت الوحيد من بينهم من يحتل المكان الأكبر في ح ياتي..
كانت وهي تقطع وقتها كأنها توزع قطع من كعكة ميلادها لهم القطع الصغيرة وله الجزء
الأكبر.. لا تخاف فلن أذهب بهم او معهم بعيدا مجرد كلمات عابرة لا تهتم حتى ولو
ارتفعت فواتير هواتفهم لا تخاف فلايزال في القلب لك متسعا كيف لا وأنت نور عيوني!
حتى لو تم دعوتي للخروج فكل هذا مجرد تلبية لمطالبهم لا تخاف لن أدفع عنهم فاتورة
الغداء او حتى لو تأخر الوقت ودلفنا مع الوقت للعشاء لا تخاف لن أجعلهم ينتشون بحب
صادق تخرج أنفاسه مني, حتى ولو خرجت منهم بعض القبلات هي لن تعدو مجرد قبلات جافة
سوف أجاريهم فيها وتلامس شفاتي بعض من شفاتهم لكن لا تجزع لن يتذوقون حرارة أنفاسي
مثلك أنت.. كانت تسرد تفاصيل الخطيئة وتترنح من الخمر الذي شربته تلك الليلة برفقة
أحدهم والتي كانت صافية وكانت بدايتها مجرد كلمات..
طهر القبيلة
حَتَّى وَإِنْ رَأَيْتُ إِيهَ
القَادِمَ مِنَ الزَّمَنِ الْعَسِيرِ.. أَنَّنِي كُنْتُ الأَسِيرَةَ لِشَهَوَاتِ
غَيْرِي، فَهَذَا لَيْسَ ذَنْبِي، إِنَّهُ ذَنْبُ الْعَالَمِ أَجْمَعِ. ذَنْبُكَ
أَنْتَ.. ذَنْبُ كُلِّ رُوحٍ تَتَنَفَّسُ الآن.. لَا تَجْتَمِعُونَ الآنَ عَلَيَّ
لِتَعَلِّقُوا رُوحِي هُنَاكَ.. وَتَنْظُرُونَ مِثْلَ الضِّبَاعِ، أَنْتُمْ
أَقَلُّ الْمَخْلُوقَاتِ شَأْنًا، وَأَخْسَهُمْ قَدْرًا. إِنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ
شَيْئًا عَنْ حَيَاتِي.. لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا عَنْ سَنَوَاتِ عُمُرِي الَّتِي
قَضَيْتُهَا وَأَنَا أَلْعَنُكُمْ.. أَنْتُمْ مُجَرَّدُ قَطِيعٍ مِنَ الضِّبَاعِ..
كُلُّ طُقُوسِكُمْ لَا أَعْتَدُّ بِهَا، وَلَا حَتَّى صَلَوَاتِكُمْ
الْمُزَيَّفَةِ تِلْكَ، اللَّهُ يَعْرِفُكُمْ جَيِّدًا.. لَنْ تَتَقَرَّبُوا
إِلَيْهِ بِقَتْلِي وَتُطَهِّرُونَ الْعَرَقَ وَالْقَبِيلَةَ، بِمَوْتِكُمْ
أَنْتُمْ يَتَطَهَّرُ الْأَرْضُ وَيَسْقُطُ الْمَطَرُ، كَأَنَّنِي أَرَى كُلَّ
وَاحِدٍ مِنْكُمْ مُمْسِكًا بِحَجَرِهِ يَنْتَظِرُ صَافِرَةَ الْقَدَرِ.. أَرْجُمْ
لا تَخْشَى الْعَارَ.. أَرْجُمْ فَرْحُوذَ الشَّيْطَانِ مَعَكَ.. أَرْجُمْ
وَسَوْفَ تُرْجَمُكَ لَعْنَاتِي إِلَى يَوْمِ تَخْرُجُونَ بِأَجْسَادِكُمِ
الْمُتَّسِخَةِ مِنَ الْقُبُورِ.
صَافِرَةُ
القَدَر
حَتّى وَإِنْ رَأَيْتَ
إِيهُ القَادِمُ مِنَ الزَّمَنِ
العَسِيرْ،
أَنَّنِي كُنْتُ الأَسِيرَةَ
لِشَهَوَاتِ غَيْرِي…
فَهَذَا لَيْسَ ذَنْبِي،
إِنَّهُ ذَنْبُ العَالَمِ
أَجْمَعْ.
…
ذَنْبُكَ أَنْتَ،
ذَنْب كُلِّ رُوحٍ تَتَنَفَّسُ
الآنْ…
لَا تَجْتَمِعُوا عَلَيَّ
لِتُعَلِّقُوا رُوحِي هُنَاكْ،
وَتَنْظُرُونَ مِثْلَ الضِّبَاعْ.
…
أَنْتُمْ أَقَلُّ
الْمَخْلُوقَاتِ شَأْنًا،
وَأَخْسَهُمْ قَدْرًا.
إِنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ
شَيْئًا عَنْ حَيَاتِي،
لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا
عَنْ سَنَوَاتِ عُمُرِي
الَّتِي قَضَيْتُهَا وَأَنَا
أَلْعَنُكُمْ.
…
أَنْتُمْ مُجَرَّدُ قَطِيعٍ
مِنَ الضِّبَاعْ…
كُلُّ طُقُوسِكُمْ لَا
أَعْتَدُّ بِهَا،
وَلَا حَتَّى صَلَوَاتِكُمْ
الْمُزَيَّفَةِ تِلْكَ.
اللهُ يَعْرِفُكُمْ جَيِّدًا،
لَنْ تَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ
بِقَتْلِي،
وَلَنْ تُطَهِّرُوا العِرْقَ
وَالقَبِيلَةَ.
…
بِمَوْتِكُمْ أَنْتُمْ
تَتَطَهَّرُ الأَرْضُ،
وَيَسْقُطُ المَطَرْ.
…
كَأَنَّنِي أَرَاكُمْ…
كُلُّ وَاحِدٍ مُمْسِكٌ
بِحَجَرِهِ،
يَنْتَظِرُ صَافِرَةَ القَدَرْ.
…
أَرْجُمْ…
لَا تَخْشَ العَارْ.
أَرْجُمْ… فَرُوحُ الشَّيْطَانِ
مَعَكَ.
أَرْجُمْ…
وَسَوْفَ تَرْجُمُكُمْ
لَعَنَاتِي
إِلَى يَوْمٍ
تَخْرُجُونَ بِأَجْسَادِكُمُ
المُتَّسِخَةِ
مِنَ القُبُورْ.
الأيام الجميلة وأنت
الأيام
الجميلة..تمضي مسرعة،وكأنها على موعد مع القطار..فلا يتبقى منها غير أشلاء
صغيرة،من أثر الحضور،لنقاتل بها الوقت حتى تعود،فنستنزف الماضي لنعيد أيام الحضور
.
الأيام
الجميلة..لا تذهب إلا بعد أن تترك رائحة للذاكرة..مثلها مثل تلك التي تحضر
وترحل،بعد أن تدع عطرها يحتل زوايا المكان،وخبايا الذاكرة..المرأة والأيام
متشابهتان في كل شيء حتى في الحضور والغياب.
شياطين
للشوق
شدة.. تجعل العشاق شياطين للحب المحرم ، فيهتكون كل أستار الحرام ويختبئون خلف
أجساد بعضهم البعض ، لا يغطيهم غير أنفاس تخرج من أفواه تتأوه بلذيذ الحب وصراخ
الجسد .
ذاكرة بلا خطيئة
في كل مرة تلتقي به كانت تحاول
أن تخفي ما تبديه هواجسُ تفكيرها ورغباتها المدفونة في صحراء مملكتها المهجورة منذ
سنوات — كقرية خاوية بلا عروش. لم يبقَ حتى فارس ظل يطرق ذات يوم باب حجرة نومها،
حتى جاء ذلك اليوم الذي بزغ فيه النور من خلف الصعاب. تريثت كثيرًا قبل أن تذهب
وتتحسس هذا الذي يطرق أبواب مخيلتها في ليال وحدتها. لم تنس يوم تركت خلفها ذاكرة
اتّسخت أطرافها؛ فقد كان من حسبته يومًا رفيقَ محبتها مجرد عابرٍ لشهوات غربتها.
أما هذا الغريب الجالس خلف
التلال فمختلف الطباع. رسمت له أحلامها وتركَتها على قارعة الانتظار — لعله يسألها
عندما يحين السؤال؟ لكنه كان كثير التردد حتى في قطف ثمار القلق المتدلي من جبين
مخاوفها. اقتربت منه أكثر، حتى اختلطت روائح الشوق بينهما. وبعد معاناة مع الوقت
أطلقت ذات يوم سراح مخاوفها وتقدمت إليه بكل ثبات، محاولةً إمساك ما تبقى من الزمن
حتى لا تذهب الأحلام مع أول عاصفة يهبّ بها المجهول.
حين خرجت تلك الكلمات منها كانت
تريد أن يفهمها أكثر من أولئك الرجال الذين اقتحموا ذات يوم قلعتها. أمسكت بأطراف
أصابعه، وقبل أن تنزلق أصابعها من فوق يديه قالت بصوتٍ ملطّخ ببقايا الخجل: «لك
الحق أن تقول نعم، ولَك نفس الحق أن تقول لا، لكن هذا الأمر بالنسبة لي قرارٌ لن
أتنازل عنه. هل لك أن تقيد هذا العشق على ورق مكتوب؟ ثم ننطلق إلى عناق يدوم. لا
أريد تعارفًا تسطره الأيام والسنين ثم تقطعه سكاكين الضمير؛ ولا عشقًا يبقى فترة
ثم يذوب عند أول ريح. الحب الذي رسمته لنا السماء يجب أن يكون تحت الأضواء، وفوق
الشبهات. عندها فقط أعدك: كلما تذكرتك وتذكرت ليالينا الهادئة سأقول: هل من مزيد؟
وذاكرتك عندي لابد أن تبقى بلا خطيئة».
فِي كُلِّ
لِقَاءٍ…
تُخْفِي
هَوَاجِسَهَا،
وَرَغْبَاتٍ
دُفِنَتْ
فِي صَحْرَاءِ
مَمْلَكَتِهَا الْمَهْجُورَة.
…
حَتَّى جَاءَ
يَوْمٌ،
بَزَغَ فِيهِ
النُّورُ
مِنْ خَلْفِ
الصِّعَابْ.
…
تَرَيَّثَتْ
طَوِيلًا،
ثُمَّ
تَحَسَّسَتْ ذَاكَ الَّذِي
يَطْرُقُ
أَبْوَابَ مُخَيِّلَتِهَا
فِي لَيَالِي
وَحْدَتِهَا.
…
لَمْ تَنْسَ يَوْمًا…
حِينَ تَرَكَتْ
ذَاكِرَةً
مُتَّسِخَةَ
الأَطْرَافْ؛
مَنْ ظَنَّتْهُ
رَفِيقَ الْمَحَبَّةِ
كَانَ مُجَرَّدَ
عَابِرٍ
لِشَهَوَاتِ
غُرْبَتِهَا.
…
لَكِنَّ هٰذَا
الْغَرِيبَ… مُخْتَلِفْ.
اقْتَرَبَتْ،
حَتَّى
اخْتَلَطَتْ رَوَائِحُ الشَّوْقِ بَيْنَهُمَا.
وَبَعْدَ مُعَانَاةٍ
مَعَ الْوَقْتِ،
أَطْلَقَتْ
مَخَاوِفَهَا،
وَتَقَدَّمَتْ
إِلَيْهِ بِكُلِّ ثَبَاتْ:
…
«لَكَ أَنْ تَقُولَ نَعَمْ،
وَلَكَ أَنْ
تَقُولَ لَا،
لَكِنَّنِي لَنْ
أَتَنَازَلَ بَعْدَ الْيَوْمْ.
…
هَلْ تُقَيِّدُ
هٰذَا الْعِشْقَ
عَلَى وَرَقٍ
مَكْتُوبْ؟
هَلْ نَنْطَلِقُ
إِلَى عِنَاقٍ
يَدُومْ؟
…
لَا أُرِيدُ
حُبًّا يَخْبُو مَعَ الرِّيحْ،
وَلَا عِلَاقَةً
يَقْطَعُهَا الضَّمِيرْ.
…
الْحُبُّ الَّذِي
خَطَّتْهُ السَّمَاءُ لَنَا
لَابُدَّ أَنْ
يَكُونَ
فَوْقَ
الشُّبُهَاتْ،
تَحْتَ
الضَّوْءِ،
خَالِيًا مِنَ
الْخَطِيئَة.
…
وَعِنْدَهَا…
كُلَّمَا
تَذَكَّرْتُكَ
سَأَقُولُ: هَلْ
مِنْ مَزِيدْ؟
فَذَاكِرَتُكَ
عِنْدِي
لَابُدَّ أَنْ
تَبْقَى بِلَا خَطِيئَة».
غيمه تسرق المطر
منذ أول يوم التقت فيه غيوم
أحلامي على أهداب تلك العيون ،اختصرت المسافة بين المستحيل والممكن. كانت تحاول
دائمًا أن تغيّر فيني فوضى الأيام التي سطّرها القدر على صفحات حياتي. حتى خيل
إليّ أن الزمان أصابه العقم، وأن الحظ قد مات مقتولًا من اليأس، وأنني سأظل
مفقودًا قبل أن تجدني امرأة تحمل رائحة الزهور، وتسبق حضورها روائح العبير.
هي التي وحدت ألوان الطيف
وتركته معلّقاً بين الغياب والحضور؛ محَت تجاعيد الحياة من جبين العمر المتراخِي،
فتركته شامخًا بين الأمل والحلم. كانت رحلتي التي لم أفكر فيها ، ولم يأخذ الوهم
إذنه مني. كانت مثل صُدفٍ يجدها البحار
بين أمواجٍ متلاطمةٍ، حيث تتصادم أمنياته مع بعض أوهامه.
في تلك الرحلة فقدتُ بوصلةَ
القدر ، ولم يعد لديّ خيار حتى في التخلّي عن رغباتي المتسخة من عناء الرحيل.
كانت تسلب مني شيئاً من قسوتي
التي بناها الخوف، كجدارٍ هُدِمَ فاصلاً بين الواقع والخيال، بين الحلم والمنام.
وأنا الرجلُ الذي يرتدي كل يومِ نفسَه، وتخلع هي عنه عباءةُ الذاكرة. كلما أخذتني
معها، سبحتُ بين محيطين بلونَيِ السماء ؛ أتنقّل بين عينيها وأنا مُغمَضُ العينين
، يكتفي حدسي بعبورها ،وأكتفي أنا برحيقها. أتشبّث بأهدابها كلما رأتني، فأقفز
بذاكرتي نحوها، وأتخلى عن كل حواسي إلا إحساسي بأنني الآن أحملُ عرشَ مملكتي
نحوها.
هي مثلُ الخمرِ، حين تشربني
تسكرُ لحظاتي معها ، وتبقى الأماني خواتم تلفُّ أصابعي. تقول وهي تلملم حقائب
سعادتي: «هل يفلح الدهر يومًا ويمحُو لحظتي معك؟ أم ينقلب الدهر عليك فتُشطبُ
أصابعي ذاكرتك من مدوّنتي؟»
وقفتُ، واللسانُ حائراً ،
والصمتُ يلهثُ خائفاً ليَشرَبَ الحزن ما تبقى من دمعي. قلتُ لها: «يا سيدتي، سأبقى
أسيراً لصلوات العشق في محراب صومعتي. وستظلّ رائحتك عنوان سكني. لن يرحل الوقت
حتى تنامَ الشمس بين يديك، ويصحو الربيع على نهديك وينتشي. فيقطف ذلك الطفلُ الساكن
فيني ثمارَ خلدي من فمك، فترسم شفتاك بدايةَ تاريخ ولادتي».
صباح . . حلم يعانق الفجر
بين
أحلامها التي رحلت عنها قبل سنوات،وبين واقع يعيش على ما تبقى لديها من سنوات.
كادت صباح أن تعلن هزيمة امرأة شارفت على الموت بين أنياب الحظ المفترس الذي لا
يزال ينهش في ما تبقى لديها من أمل ، ذلك الأمل الذي فضل البقاء معها حتى بعدما
هجرها الفرح وتركها مثل امرأة تلطم على أمجاد ولت وخلت ، فلم تكن صباح فريدة عصرها
، لكنها كانت تقتات على بقايا من الحظ الملقي على قارعة الزمن ، كل ما مرت به كان
مجرد كوابيس ، من أحلام رجل اعتاد على أن يقسم شهواته بينها وبين مجموعة من
أقاربها وصديقاتها.
تعيش
صباح أتعس فترات الخوف من القادم،فكل يوم له مغامرة وكل يوم له عشيقة.اعتادت أن
تجلس على عتابات الشك والريبة ، ومع كل تلك النزوات المباركة ، اختارت صباح إن
تكون امرأة من نوع فاخر ، اختارت أن تكون في انتظار عاشق ظل الطريق فقادة ألحظ إلي
مرتعها ، كانت صباح وهي ترسم وجه ذلك الفارس ترسم فيه كل شي جميل ، لم تترك فيه شي
لم ترسمه إلا فمه ، تركت رسمتها بدون فم ، حتى لا تسمع يوم من الأيام كلمات منه ،
تشبه كلمات ذلك الزوج القابع خلف رغبات الآخرين.
حتى
وأن أرادت أن تبوح بكل ما لديها ، كانت تجد الغصة تلو الغصة تقف بينها وبين ذلك
الصوت الذي يأبى أن يكمل طريقة نحو الخروج, تجلس صباح كل يوم وهي تستعد للكثير من
المفاجآت التي تأتيها خلسة أو من خلف جدار, اعتادت على أن تسمع أبشع الكلمات من
صديقاتها ، وقبل ذلك من أخواتها ، بآن زوجها رجل مختل العقل ، سقيم الطوية ، أو
بأنه فاقد الأهلية,فهو لا يتردد في أن يقوم بالاتصال على إحدى أخوات صباح أو حتى
على إحدى صديقاتها,ليقول لهن وبكل غطرسة حمقاء ، وبكل ترف المختلين ، بأنه يهيم في
حبهن ويفكر فيهن ، وبأنه قد وقع أسير شغفه بهن, بل وبأنه على استعداد تام أن يقف
معهن في أي ظرف يمررن به ، حتى ولو كلفه ذلك أن يمد يده ويخرج شيئا من المال حتى
يساعدهن على ظروف الحياة القاسية, حتى ولو كلفه ذلك أن يحرم زوجته وأطفاله من ذلك
الإحسان, لكن كل ذلك ليس بلا مقابل بل شرطة الوحيد أن يخرجن معه ويحتفل معهن في
معية الشيطان.
كانت
صباح في ذلك الوقت لا تسعى في إثارة المشاكل, بل كانت الفتاة المطيعة له حتى ولو
أدى بها ذلك إلى المشي خلفه بين سكك المشككين وطرق الخائفين كانت تحلم بأن تحافظ
على ما تبقى من أعمدة لهذا البيت الذي أصابه الوهن ودبت فيه جراثيم العفن, لكنها
كانت تحمل الآمل في إن يتغير الزمن ويتحول هذا الذكر إلى رجل يحمل معنى هذه
الكلمة, حتى عندما غضبت ذات مرة وأصرت على أن يصبح لها بيت تسكن فيه هي وطفلة
الصغير, لقد مللت العيش مع والدك وزوجته, هكذا كانت تردد كلمتها له, لكنه كان يخاف
الرحيل حتى لا تسقط أخر ورقة كانت تستر ما تبقى من رجولته , لم تنجح أول مرة في
إصرارها, حتى تركت بيت والده وذهبت تجر الخطايا إلى بيت والدتها وجلست في انتظار
متى يحين الانتصار, وحتى لا تخسر أكثر مما خسرت تركت له باب العودة مواريا, فكانت
تذهب معه إلي بعض الأماكن التي يشربون فيها القهوة, ولأمانع لديها من الذهاب معه
إلى مطعم لتناول العشاء لكنه تمدد أكثر وذهب إلى أبعد من ذلك فطلب منها أن تذهب
معه إلى مسكن يمارس فيه الحب معا لكنها كانت ترفض في كل مرة حتى لا يصبح هذا الأمر
مهبطا له فيقبع في مكانه ولا يتحرك في البحث لهما عن مسكن ، حتى جاء ذلك اليوم
الذي ذهبا فيه إلي أحدي المطاعم, وتخير مكان يحمل الخصوصية, والذي لم يكن تتخيله
صباح بأنه استدرجها إلى ذكرياتهما معا حتى تركت له حرية الاختيار في خلع ما تبقى
فيها من عناد وأخذها في عناق طويل حتى استفاقت وهي تلملم بقايا ملابسها التي اتسخت
من أرضية المكان.. لم تكن تلك المرة الوحيدة بل أصبح الأمر أشبه بالعادة حتى صار
العاملين في ذلك المطعم يعرفونهم جيدا،بل يقومون في بعض الأحيان بحجز ذلك المكان
كل يوم.
الورقة الأخيرة من صفحات عمري
كنت
أسمع أشياء كثيرة يرددها الناس..من كلمات الحرية والقدرة على الاختيار،لكنني كنت
اجهلها معك،فحريتي أن تكون قيدي،واختياري أن تكون قدري،لا أعرف غير
ذلك،عزيزي..البعيد هناك،الحروب والكوارث تلك الأخبار التي تزعجك دائما،هي أشياء
صارت عادية بالنسبة لي،أنها تحدث كل يوم،والناس قد ألفوها بل ويبحثون عنها دوما..
لكن تعال هنا وانظر بعينيك كوارث ومصائب أخرى أحدثتها محبتي لك في قلبي الذي تحطم
وهوى،فصار يلتقط الأمل على قارعة المستحيل،فلم أتخيل يوما إن أسقط أسيره حب محرم
علي،أو أن أعيش أداعب أحلامي وأرسم في الخيال وجهك على زجاج أوهامي،وإن أظل ماسورة
ذلك الصوت الذي يهز كنائس قلبي كلما قرعت أجراسه أجراسك،لم يبقى أحد بعد لا يعرف
قصتي،أو لا يراك غارق في بحر عيوني أو نائما فوق أهداب عيوني..حتى أنفاسك تلك التي
كانت تملأ فضاء البيت،كنت احبسها في صدري،ثم أطلقها..كلما أردت مناجاة بقايا
ذكرياتك،كانت تتطاير إمام قلبي كعصافير الحب الملونة،فرحت بالرحيل،بل حتى تلك
الأشياء التي تقع عليها يديك أظل احتفظ بها حتى هذه اللحظة،فلا بد وأن تكون بصماتك
مرسومة عليها،لكنني لا أراها بل أتحسسها بيدي..لكنني سرعان ما أعود لأخرج من نفسي
عارية الأماني خالية الأحلام،تخيل ليلة البارحة كنت اجلس هناك في نفس المكان الذي
كنت تجلس فيه وحيدة مرة،ومرة مع طيفك الذي يقترب من جواري وكلماتك شموع تظل تضيء
ظلمتي حزينة أنا..والدموع تشارك وحدتي،والأقدار أشباح تنهش أحلامي الصغيرات حتى
جدران غرفتي تنوح معي،والأبواب تغلق على نفسها تبكيني..ويبقى الموت يطرق ذاكرتي
كلما بلغت روحك حنجرتي،أعلم إنني الآن ضائعة لأنني أحب إنسان محرم علي حبه أو حتى
إن أفكر فيه،ولك أن تقول في ما تشاء..غير أني لا أعرف شيئا حتى هذه اللحظة التي
أكتب لك فيها رسالتي هذه،أو أن شئت فقل وصيتي..تظل أيامي ملعونة،أعرف أين يتجه
مصيري..إني أخطو بخطى ثابتة نحو الهاوية،لأن هذا الحب ولد مخنوقا وكتب عليه من قبل
الموت..أحببتك واعلم أن حبي هذا خيانة لمن أحبهم ويحبوني لكن النار تشتعل فيني كل
يوم كلما سمعت صوتك يأتي من بعيد..عزيزي أحاول كل يوم أن التقط الهواء وأتنفسه قبل
أن اختنق،كلما تردد اسمك على فمها وهي تحكي لي عني زوجها كم هو جميل !أعرف أكثر
منها كم أنت جميل،حاولت الهروب لكن أين الطريق الذي أسلكه ولا أراك بداخلي..إلي
متى وأنا أستجدي سلطان المنام،حتى تأتي إلي في الأحلام وأنام بين يديك،نعاتب في
ليلتنا هذه الزمن وقسوته،وأبث إليك من أشواقي طوفان نغرق فيه ولا نموت،لك وحدك أهب
نفسي قربان لقلبك على أن تنعم علي ولو بقبله صغيرة حتى أظل احتفظ بها طوال
العمر،فالعيش على هذه الأرض مرة ، والموت ألف مرة،وأنا أعيش بك مرة وأموت فيك ومن
أجلك ألف مرة،ولتعلم إنك لست وحدك المذنب في،فهناك الأيام ، وأنا،وأشياء أخرى لا
أستطيع الآن قولها لا زلت بعد أخشاها،والآن دعني أتجرع هذا الألم وحدي،وارتجي من
هذه الأيام صفحات من عمري خلف أوهام لا تأتي،وأعرف أنها لن تأتي وسابقي أسل من
ذاكرتي خيوط ذكراك الجميل لأنسج منه معطفي الأسود ريثما تعود.
فلسفة الخائن
لو
لم تكن للخيانة إلا تجديد مكانه الآخر،لكفاها تميزا،للخيانة مرارة العلقم،لكن فيها
شفاء لبعض السقم،متى نعرف أننا خسرنا شخص قد لا يعوض،عندما نمارس الخيانة كحق
خاص..جسدي ملك لي وقلبي يتنافس عليه من يستحق،فلسفة الخائن مثل فلسفة
السارق..والغريب أن كلاهما يتفقا على السبب،إغراء الحاجة وضعف الثقة في
الآخرين..كل روح فينا هناك يكمن خائن صغير،العين تخون القلب،واللسان يخون
العقل،حتى أيدينا تخون في لحظة الشهوات الجسد..بل حتى أحلامنا تمارس الخيانة كل
يوم مع حقيقة الواقع .
رسالة
إلي أنثى العنكبوت
أهدي إليك أمانيَ الموتى
وأحلامَ الفقراء… أهدي إليك حرارةَ الشمس وخسوفَ القمر.
إلى المرأة الخائنة: تحيةُ
الشوك… تحيةُ الزلازل والموت… تحيةُ النار وظلمةِ القبر. إليك أنتِ، يا من تمسكين
بالورقة الأخيرة من حياتي. لا ورق بعد اليوم، ولا حياة. فصلُ الخريف يغطي الفصول،
والأمطار ترحل تاركةً بكاءً طويلا.
أرى طوفانَ الحزن يقترب مني،
وأخاف الغدرَ والبحر؛ فكلاهما يقتلني.
ابنةَ البحر: آيةَ كذبٍ أنتِ،
وأيُّ رجلٍ مجنونٍ أنا حتى صدقتك؟ ألا يكفي جنوني أني اعتقدتُ مرةً أن الأحلام
تتحقق، ونسيت أن من يعرف طريقَ الخيانة يعود إليه دوما.
حاولت أن أعرف السبب، فلم
أستطع؛ فسألت نفسي: هل أستحق كل ذلك؟ وأنا الذي أحببتك حبًّا لم أعرف معناه إلا
معك، أهديتك قلبي وكدت أن أهديك نفسي طول العمر.
أنتِ مريضةٌ بحب ذاتك، مغرورةٌ
بنفسك. يضحك عليك الأوغاد فترقصين لهم. جسدك يرخص، وقلبك يُداس، والمهم أن تكوني
في أنفاس الناس. تستجدين الحب الكاذب والمدح الرخيص، وترضين أن تكوني مثل إسفنجة
الخمارين: تشرب ولا تسكر.
ابنةَ الوهم، أنتِ أسوأُ امرأةٍ
عرفتها؛ أرخصُ من الملح في مدينة الملح، وأخفُّ من فقاعةِ صابون، وأتفهُ من ورقةٍ
خريفية تسقط خيانةً لتضاجع الريح.
ارحلي؛ فلن يغسل عارك ماءٌ ولا
نار. ستبقى ذكرياتك الملعونة جروحًا في الزمن، وسيبقى ضريحي رمزًا لهزائمك.
اتركيني أرحل. ما فعلتِه بي لم
يحتمله قلبي. سأكون كما أردتِ: جسدًا يحمل أعباءَ الخطيئة، ويبحث عن دعاءِ المغفرة.
يوم أن أحببتك، سطرت اسمك في
دفاتر أيامي، وجعلت الورودَ والطيورَ من أسمائك.
أما الآن، فأنتِ لا تزيدين عن بعوضةٍ تعيش على دماء الآخرين… فتبًّا لك وتبت يداك.
غفران.. معلق
عندما
تنتظر الغفران المتدلي من سقف الانتظار ينتابك الحنين إلى سماء رحمتها لا لشئ ألا
لأنك تجد روحك من دونها تائهة تفتش بين أكوام الوفاء علك تجد شيئا يشفع لك عند
سلطانها الحائر بين الثواب والعقاب بين الخنوع والشموخ ومع كل هذا كانت بالحق وفيه
في تعاملها رقيقة في عتابها نقية في كلامها..لكنها كانت تحاول دائما إن تجد مواطن
الضعف فيني فتنتشي عندها قسوتها...لكن ما تلبث أن تعود طفلة كما عرفتها أول مرة.
فم الشيطان
تسل
من فم الشيطان خيوط من الكلمات ، تنسج به عبارات من الوهن..تقتل صغار الأحلام ،
فتنمو بين سنابل الوهم أماني ، مجرد أماني تطير مع أصوات الريح ، وتهب الشك في كل
اللحظات ، لتعيد نغم الغواية بين سطور الأشواق ، فكان الهيام لها فصار اليوم غياب
، رحلت حروف الحب من كلماتي ، بعد أن جلبت لنفسي عنا الحضور ، كلانا يا سيدتي وهم
، كلانا بقايا أحلام التاريخ ، كلانا أسراء مقيدين بأسوار الخلود
لن...تصدق
جلست
تتشدق بأمجاد امرأة لعوب ، تحكي له قصتها مع النجوم ، لا يسمعها غير ضمير غائب ،
ورجل شارف على السقوط في أحلامها ، حتى تعلقت فيه روائحها الزكية ، وكاد أن يشرب
كلماتها التي تنساب كل يوم من شفاه لا تعرف الصمت ، توقف في لحظات عن التفكير فيها
وهي تسرد قصتها الأخيرة ! كانت تتحدث معه وكأنها تحكي عن قصة امرأة أخرى ، امرأة
وهبت نفسها لمساعدة الآخرين ! فقالت له وهي تعزف لحن الخشوع ، هل تصدق ؟ ! .
ذلك
السؤال الذي كان أشبه بمفتاح صندوق حكايتها ، عندها ترك كل شيء وبقي يستمع لنهاية
ذلك السؤال ، هل تصدق ؟ !
لم
تتأخر هي كثيرا عن مواصلة الحديث ، ولم تتوقف حتى لتراجع تفاصيل قصتها التي ربما
سوف تصبح مجرد باب يلج منه الشيطان فيما بعد ، وضع كفه على خده والخوف يقف شامخا
فوق رأسه ، في انتظار وصول ما تبقى من كلماتها ، ثم قالت : عندما كنت اليوم في
مكتب البريد ، جلست أحدق في الوقت ، متى ينتهي ذلك الموظف الذي أخذ مني الطرد الذي
كان معي ، تتذكره أليس كذلك ؟ كان معي قبل أن أذهب من عندك ، بعد أن انتهينا من
معركة إثبات أينا يحب الآخر أكثر ! لم يتمالك صمته حينها ، فقال لها وهو يتمتم
بكلمات لا تكاد تسمعه : ومن نجح يا ترى في إثبات ذلك ؟ فقالت له وهي تغمز بإحدى
عيناها : سمعتك ! كان السرير هو الوحيد الشاهد على أينا يحب الثاني أكثر حتى إنني
كدت أنسى يومها أن أقول لك أن أنفاسك كانت تشعل نار رغبتي فيك أكثر ، حتى وبعد أن
هطلت أمطار مودتي آنذاك ، لم ينطفئ لهيب الشوق ولم تخمد نيران رغبتي ، ثم تذكرت
بأنها لم تكمل قصتها بعد ، فقالت له بكل حياء العاشقين : لا تقاطعني ودعني أكمل لك
، عندما انتهى ذلك الموظف بعد أن قيد كل المعلومات التي طلبها مني ، لإرسال طردي
ذاك ، كان بجواري شاب وسيم ، بدت عليه علامات الغضب وهو يصرخ ويسأل عن سبب التأخير
في وصول شحنته ، وعندما ذكر المكان الذي من المفترض أن تصل منه شحنته ، تدخلت وقلت
له ، لا تقلق أنا لدي صديقه تنتظر منذ فترة وصول شحنتها مثلك ، ومن نفس المكان ،
فلم يزد على أن قال لي شكرا لك ، وقبل أن يذهب قلت له ، ما رأيك بأن تزودني برقم
هاتفك ، حتى عندما تصل شحنة صديقتي تلك أخبرك ، تخيل أنه لم يتردد في ذلك ، بل إنه
طلب مني إن اتصل عليه ، وذلك بعد أن قيدت رقمه في هاتفي ، وذلك كما زعم حتى يوثق
رقمي في هاتفه ! الغريب يا حبيبي أنه لم يطلب معرفة اسمي .
أنا..ورجل مريض
استفاق
الماضي فجأة وبجلباب رجل مريض،يتحين الفرصة تلو الفرصة عله يختلس مني بعضا من
مشاعري التي أصبحت من ممتلكات الزمن القديم..كنت أسئل نفسي وأنا في خلوة مع
وحدتي:ترى لو أنه كان يشاطر الشيطان فيني ويسعى جاهدا أن يعيدني مرة أخرى لأحزاني
وبأنه أراد فقط أن يوقظ جراحي ؟ فيعود ذلك الصوت الذي يأبى الرحيل عني منذ أن
تعرفت عليه،أكاد أجزم أنه أستطاع أن يحتل له مكان حتى ولو كان مكان قصي..وإلا
لماذا تشتاق مسامعي لصوته الدافئ وكلمات الحب التي تقتحم بكل يسر وسهولة
قلبي!ولماذا أفتش فيه عني كلما اختفى طيفه وتلاشى في زحام الوقت صوته،حتى عندما
حدثته عن امرأة لا تعرف الرسم في الهوا ولا تعرف القفز على الحبال،وبأنها تكاد
تنطق كلمات الحب لكنها تخشى الهزيمة،فالحب لديها معركة ينتصر فيها العاشقين،وأنها
تعرف كيف تكتب كلمة – أحبك – كأول رجل يدخل مدينتي وكأول عاشق يحتل مملكتي..وبأنها
تعرف كيف تزرع قبلتها على شفاه أعياها التعب،لكن ذاكرتها لا تزال بعد تنزف الماضي
وتأبى النسيان.
لم
يعلق على كلماتي ولا على قصتي تلك عن المرأة!لكنه قال كلمات زادتني حيرة وجعلتني
أعود من حيث بدأت،قال لي وهو يهم بالرحيل:ربما الخوف من الحب ساق صاحبتك له رغما
عنها!وربما هي أرادت أن تبحر في الحب وتغرق فيه،لكن الذي أعرفه جيدا أن الحب أشبه
بالمدرسة،نتعلم فيها فنون العشق وندرس كتبه،وربما تطول بنا السنين والأيام ونحن لا
نزال في الصفوف،وليس بالضرورة أن ينجح في الأخير كلاهما،فيكفي أن تسجل الحياة في
دفاترها،قصص لا ننساها،وأيام نعيش على ذكرها،لو لم يكن للحب إلا أن يغير
أصواتنا،ويلهب في الشتاء رغباتنا،ويجعلنا نمارس الحب كل لحظة وفي كل حين،لكفانا،لكننا
تعودنا منذ الأزل أن نأخذ الأشياء كاملة ومن دون نقصان،وهذا ديدان المنتظرين.
وبعد أنهى كلامه حزمت في صمت حقائب كلماتي،وتركته يداعب أحلامه،وجلست في المحطة أنتظر المجهول .
سراج الوهم
ما
كنت احتاج غير ذلك ، غير العبث القادم بين سطور الأوراق المنسية على رف من رفوف
الماضي ، كنت أتسال ومحبرتي تنتظر عودتي بفارغ اللون،كنت اقفز بين سطور الورق
التهم فواصل الكلمات واشرب بعض نقاط الخوف، تلك النقاط التي تقبع في كل نهاية
السطر ، لم اعد كما كنت اتقي الأحلام فوق أوراق المكتب عندما كنت استعيد أجمل
لحظات الماضي وارسم سراج من وهم واذهب اختبئ في الظلام ، نحن أبناء ذلك الأب الذي
هجر جنة الله لشهوة طارئة وتركنا نصارع الذنب ونهرب دوما إلي بحار المغفرة لنغتسل
من وعثاء الشوق ولا نتوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق